الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: اتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء **
أبو المنصور ابن المعز لدين الله أبي تميم معد ابن المنصور بنصر الله أبي الطاهر إسماعيل ابن القائم بأمر الله أبي القاسم محمد ابن المهدي عبيد الله أمه أم ولد واسمها درزان. ولد بالمهدية يوم الخميس الرابع عشر من المحرم سنة أربع وأربعين وثلاثمائة. وولى العهد بمصر وبويع لسبع بقين من ربيع الآخر سنة خمس وستين وثلاثمائة. ومن كتاب ابن مهذب: سمعت مولانا العزيز يقول: خرج مولانا المعز يوماً بمصر يمشي في قصره وأنا وأخي تميم وعبد الله وعقيل نمشي خلفه فخطر ببالي أن قلت: ترى بصير هذا الأمر إلي أو إلى أخي عبد الله أو إلى أخي تميم وإن صار إلي ترى أمشي هكذا وهؤلاء حولي. قال: وانتهى مولانا المعز إلى حيث أراد ووقفنا بين يديه وانصرفت الجماعة وأراد لانصراف فقال: بحياتي يا نزار إذا سألتك عن شيء تصدقني. قلت: نعم يا مولانا. قال: التفت إليك فرأيتك وقد أعجبتك نفسك وأنت تنظر إلي وإلى نفسك وإلى أخوتك وأنا أسارقك النظر وأنت لا تعلم فقلت في نفسك: ترى هذا الأمر بصير إلي وإخوتي حولي. قال: فاحمر وجهي ودنوت منه فقبلت بين يديه وقلت وقد غلبني البكاء: يجعل الله جميعنا فداك. فقال: دع عنك هذا كان كذا. قلت: نعم يا مولانا فكيف عرفته. قال: حزرته عليك ثم لم أجد نفسي تسامحني في إعجابك بنفسك على شيء سوى هذا الأمر فهو صائر إليك فأحسن إلى إخوتك وأهلك خار الله لك ووفقك. وقد تقدم أن المعز لما مات كتم موته إلى يوم النحر فأظهرت وفاته فركب العزيز بالمظلة وخطب بنفسه وعزى نفسه والناس تسلم عليه بالخلافة وركب إلى قصره فسلم عليه عماه: حيدرة وهاشم وعم أبيه: أبو الفرات وعم جده: أحمد بن عبيد الله.
وقال ابن الأثير: لما استقر العزيز في الملك أطاعه العسكر واجتمعوا عليه وكان هو يدبر الأمر منذ مات والده إلى أن أظهره ثم سير إلى المغرب دنانير عليها اسمها فرقت في الناس وأقر يوسف ابن بلكين على ولاية إفريقية وأضاف إليه ما كان أبوه استعمل عليه غير يوسف وهي طرابلس وغيرها فاستعمل عليها يوسف عماله وعظم أمره وأمن ناحية العزيز واستبد بالملك وكان يظهر الطاعة مجاملةً لا طائل تحتها. وخطب للعزيز بمكة بعد أن أرسل إليها جيشا فحصرها وضيقوا على أهلها ومنعوهم الميرة فغلت الأسعار بها ولقى أهلها شدةً شديدة. وأما أخبار الشام: فإن أفتكين لم يزل طول مقامه بدمشق يكاتب القرامطة ويكاتبونه بأنهم سائرون إلى الشام إلى أن وافوا دمشق بعد موت المعز في هذه السنة وكان الذي وافى منهم: إسحاق وكسرى وجعفر فنزلوا على ظاهر دمشق ومعهم كثير من العجم أصحاب أفتكين الذين تشتتوا في البلاد وقت وقعته مع الديلم لقوهم بالكوفة في الموقعات فأركبوهم الإبل وساروا بهم إلى دمشق فكساهم أفتكين وأركبهم الجبل فقوى عسكره بهم وتلقى أفتكين القرامطة وحمل إليهم وأكرمهم وفرح بهم وأمن من الخوف فأقاموا على دمشق أياما ثم ساروا إلى الرملة وبها أبو محمود إبراهيم بن جعفر فالتجأ إلى يافا ونزل القرامطة الرملة ونصبوا القتال وجبى القرامطة المال فأمن أفتكين من مصر وظن أن القرامطة قد كفوه ذلك الوجه وعمل على أخذ الساحل فسار بمن اجتمع إليه ونزل على صيدا وبها ابن الشيخ ورؤساء المغاربة ومعهم ظالم بن موهوب العقيلي فقاتلوه قتالا شديداً فانهزم عنهم أميالا فخرجوا إليه فواقعهم وهزمهم وقتل منهم وصار ظالم إلى صور فيقال إنه قتل يومئذ أربعة آلاف من عساكر المغاربة قطعت أيمانهم وحملت إلى دمشق فطيف بها. ونزل أفتكين على عكا وبها جمع من المغاربة فقاتلوه فسير العزيز القائد جوهر بخزائن السلاح والأموال إلى بلاد الشام في عسكر عظيم لم يخرج قبله مثله إلى الشام من كثرة الكراع والسلاح والمال والرجال بلغت عدتهم عشرين ألفاً بين فارس وراجل فبلغ ذلك أفتكين وهو على عكا والقرامطة بالرملة فسار أفتكين من عكا ونزل طبرية وخرج القرامطة من الرملة ونزلها جوهر. وسار إسحق وكسرى من القرامطة بمن معهم إلى الأحساء لقلة من معهم من الرجال الذين يلقون بها جوهر وتأخر جعفر من القرامطة فلحق بأفتكين وهو بطبرية وقد بعث فجمع في حوران والبثنية وسار جوهر من الرملة يريد طبرية فرحل أفتكين واستحث الناس في حمل الغلة من حوران والبثنية إلى دمشق وصار أفتكين إلى دمشق ومعه جعفر القرمطي فنزل جوهر على دمشق لثمان بقين من ذي القعدة فيما بين داريا والشماسية فجمع أفتكين أحداث وأخذ جوهر في حفر خندق عظيم على عسكره وجعل له أبوابا وكان ظالم بن موهوب معه فأنزله بعسكره خارج الخندق وصار أفتكين فيمن جمع من الذعار وأجرى لكبيرهم قسام رزقاً. ووقع النفي على قبة الجامع والمنابر وساروا فجرى بينهم وبين جوهر وقائع وحروب شديدة وقتال عظيم وقتل بينهم خلق كثير من يوم عرفة فجرى بينهم إثنتا عشرة وقيعة إلى سلخ ذي الحجة. ولم يزل إلى الحادي عشر من ربيع الأول سنة ست وستين فكانت بين الفريقين وقعة عظيمة انهزم فيها أفتكين بمن معه وهم بالهرب إلى أنطاكية ثم إنه استظهر. ورأى جوهر أن الأموال قد تلفت والرجال قد قتلت والشتاء قد هجم فأرسل في الصلح فلم يجب أفتكين وذلك أن الحسين بن أحمد الأعصم القرمطي بعث إلى ابن عمه جعفر المقيم عند أفتكين بدمشق: إني سائر إلى الشام وبلغ ذلك جوهر فترددت الرسل بينه وبين أفتكين حتى تقرر الأمر أن جوهر يرحل ولا يتبع عسكره أحد فسر أفتكين بذلك وبعث إلى جوهر بجمال ليحمل عليها ثقله لقلة الظهر عنده وبقي من السلاح والخزائن ما لم يقدر جوهر على حمله فأحرقه ورحل عن دمشق في ثالث جمادى الأولى. وقدم البشير من الحسن بن أحمد القرمطي إلى عمه جعفر بمجيئه وبلغ ذلك جوهر فجد في السير وكان قد هلك من عسكره ناس كثير من الثلج فأسرع بالمسير من طبرية ووافى الحسن بن أحمد من البرية إلى طبرية فوجد جوهر قد سار عنها فبعث خلفه سرية أدركه فقابلهم جوهر وقتل منهم جماعة وسار فنزل ظاهر الرملة وتبعه القرمطي وقد لحقه أفتكين فسارا إلى الرملة ودخل جوهر زيتون الرملة فتحصن به فلما نزل الحسن بن أحمد القرمطي الرملة هلك فيها وقام من بعده بأمر القرامطة ابن عمه أبو جعفر فكانت بينه وبين جوهر حروب كثيرة. ثم إن أفتكين فسد ما بينه وبين أبي جعفر القرمطي فرجع عنه إلى الأحساء وكان حسان ابن علي بن مفرج بن دغفل بن الجراح الطائي أيضاً مع أفتكين على محاربة جوهر فلم ير منه ما يحب وراسله العزيز فانصرف عن أفتكين وقدم القاهرة على العزيز واشتد الأمر على جوهر وخاف على رجاله فسار يريد عسقلان فتبعه أفتكين. واستولى قسام على دمشق وخطب للعزيز فسار أبو تغلب بن حمدان إلى دمشق فقاتله قسام ومنعه فسار إلى طبرية. وأدرك أفتكين جوهر فكانت بينهما وقعة امتدت ثلاثة أيام انهزم في آخرها جوهر وأخذ أصحابه السيف فجلوا عما معهم والتحقوا بعسقلان فظفر أفتكين من عسكر جوهر بما يعظم قدره واستغنى به ناس كثيرون. ونزل أفتكين على عسقلان فجد جوهر حتى بلغ من الضر والجهد مبلغا عظيما وغلت عنده الأسعار فبلغ قفيز القمح أربعين دينارا وأخذت كتامة تسب جوهر وتنتقصه وكانوا قد كايدوه في قتالهم فراسل أفتكين يسأله: ماذا يريد بهذا الحصار فبعث إليه: لا يزول هذا الحصار إلا بمال تؤديه إلي عن أنفسكم. فأجابه إلى ذلك وكان المال قد بقى منه شيء يسير فجمع من كان معه من كتامة وجمع منهم مالاً وبعث إليه أفتكين يقول: إذا أمنتكم لا بد أن تخرجوا من هذا الحصن من تحت السيف وأمنهم وعلق السيف على باب عسقلان فخرجوا من تحته. وسار جوهر إلى مصر فكان مدة قتالهم على الزيتون وقفلتهم إلى عسقلان حتى خرجوا منها نحوا من سبعة عشر شهرا بقية سنة ست إلى أن دنا خروج سنة سبع وستين . وقدم جوهر على العزيز فأخبره بتخاذل كتامة فغضب غضبا شديدا وعذر جوهر في باطنه وأظهر التنكير له وعزله عن الوزارة وولى يعقوب بن كلس عوضه في المحرم سنة ثمان وخرج العزيز فضربت له خيمة ديباج رومى عليها صفرية فضة فخرج إليه أهل البلد كلهم حتى غلقت الأبواب وسألوه في التوقف عن السفر فقال: إنما أخرج للذب عنكم وما أريد ازدياداً في مال ولا رجال. وصرفهم. ومنع العزيز في هذه السنة وهي سنة سبع وستين النصارى من إظهار ما كانوا يفعلونه في الغطاس: من الاجتماع ونزول الماء وإظهار الملاهي وحذر من ذلك. وسار العزيز وعلى مقدمته حسان بن علي بن مفرج بن دغفل بن الجراح الطائي فتنحى أفتكين عن الرملة ونزل طبرية. واتفق أن عضد الدولة أبا شجاع فناخسرو بن ركن الدين أبي يحيى الحسن بن بويه أخذ بغداد من ابن عمه بختيار بن أحمد بن بويه فسار بختيار إلى الموصل واتفق مع أبي تغلب الغضنفر بن ناصر الدولة ابن حمدان على قتال فناخسرو فسار إليهم فناخسرو وأوقع بهم فانهزموا وأسر بختيار وقتله وفر حينئذ من أولاد بختيار إعزاز الدولة المرزبان وأبو كاليجار وعماه: عمدة الدولة أبو إسحاق وأبو طاهر محمد ابنا معز الدولة أحمد بن بويه وساروا إلى دمشق في عسكر فأكرمهم خليفة أفتكين وأنفق فيهم وحملهم وصيرهم إلى أفتكين بطبرية فقوى بهم وصار في اثنى عشر ألفا فسار بهم إلى الرملة ووافى بها طليعة العزيز فحمل عليها أفتكين مراراً وقتل منها نحو مائة رجل فأقبل عسكر العزيز زهاء سبعين ألفاً فلم يكن غير ساعة حتى أحيط بعسكر أفتكين وأخذوا رجاله فصاح الديلم الذين كانوا معه: زنهار زنهار يريدون: الأمان الأمان. واستأمن إليه أبو إسحق إبراهيم بن معز الدولة وابن أخيه إعزاز الدولة والمرزبان بن بختيار وقتل أبو طاهر محمد بن معز الدولة وأخذ أكثرهم أسرى ولم يكن فيهم كبير قتلى وأخذ هفتكين نحو القدس فأخذ وجيء به إلى حسان بن علي بن مفرج ابن دغفل بن الجراح فشد عمامته في عنقه وساقه إلى العزيز فشهر في العسكر وأسنيت الجائزة لابن الجراح. وكانت هذه الوقعة لسبع بقين من المحرم سنة ثمان وستين. فورد كتاب العزيز إلى مصر بنصرته على أفتكين وقتل عدة من أصحابه وأسره فقرىء على أهل مصر فاستبشروا وفرحوا. وكتب أبو إسماعيل الرسي إلى العزيز يقول: يا مولانا: لقد استحق هذا الكافر كل عذاب والعجب من الإحسان إليه. فلم يرد عليه جوابا. قال المسبحي: فخرج الناس إلى لقائه وفيهم أبو إسماعيل الرسي فلما رآه العزيز قال: يا إبراهيم: قرأت كتابك في أمر أفتكين وفيما ذكرته وأنا أخبرك: اعلم أنا وعدناه الإحسان والولاية فما قبل وجاء إلينا فنصب فازاته وخيامه حذاءنا وأردنا منه الانصراف فلج وقاتل فلما ولى منهزماً وسرت إلى فازاته ودخلتها سجدت لله الكريم شكراً وسألته أن يفتح لي بالظفر به فجيء به بعد ساعة أسيراً ترى يليق بي غير الوفاء!. فقبل أبو إسماعيل رجله. ودخل العزيز إلى القاهرة ومعه أفتكين والأسرى وعليه تاج مرصع بالجوهر فأنزل أفتكين في دار وأوصله بالعطاء والخلع حتى قال: لقد احتشمت من ركوبي مع مولانا العزيز بالله ونظري إليه مما غمرني من فضله وإحسانه فلما بلغ العزيز ذلك قال لعمه حيدرة: يا عم: أحب أن أرى النعم عند الناس ظاهرة وأرى عليهم الذهب والفضة والجوهرة ولهم الخيل واللباس والضياع والعقار وأن يكون ذلك كله من عندي. وبلغ العزيز أن الناس من العامة يقولون: فأمر به فشهر في أجمل حال فلما رجع من تطوافه وهب له مالا جزيلا وخلع عليه وأمر الأولياء بأن يدعوه إلى دورهم فما منهم إلا من أضافه وقاد إليه وقاد: يديه دوابا. ثم سأله العزيز بعد ذلك: كيف رأيت دعوات أصحابنا فقال: يا مولاي: حسنة في الغاية وما فيهم إلا من أنعم وأكرم. وكان الذي أنفق العزيز على هفتكين حتى أسره ألف ألف دينار وقال العزيز عند خروجه إلى حربه لحسين الرابض: كم عدد ما تحت يدك من الدواب فقال: عشرة آلاف رأس. فقال العزيز: لقد أوجلتني يا حسين. وفيها نافق حمزة بن نعله الكتامي متولى أسوان فخرج إليه جعفر بن محمد ابن أبي الحسين وفيها قدم حسان بن علي بن مفرج بن دغفل بن الجراح الطائي على العزيز فخلع عليه وحمل على خمسة أرؤس من الخيل وقاد إليه بين يديه خمسة أحمال مال وأنزله داراً. وفيها جهز الفضل بن صالح على جيش إلى الشام وقلد الشام كله ولقب بالقائد وخلع عليه ثوب مذهب ومنديل مذهب وقلد بسيف محلى بذهب وحمل على فرس وبين يديه أربعة أفراس بمراكبها ومائة ألف درهم وخمسون قطعة من الثياب الملونة فركب بالطبول والبنود وسار. وخرجت قافلة الحاج في ذي القعدة وفيها صلات الأشراف والقمح والشعير والدقيق والزيت وسائر الحبوب والزيت ومحراب من ذهب للكعبة. وفيها كان بمصر وباء عظيم مات في خلائق فحكى بعض من سمع نواب السلطان يقول: الذي قبر من الديوان سبعة آلاف وسبعمائة وستون سوى من لم يعلم بموته أما من دفن بلا كفن فكثير. وكان الماء في المقياس خمسة أذرع وثلاثا وعشرين إصبعاً وبلغ خمسة عشر ذراعا وتسعة عشر إصبعا. وأما بلاد المغرب فإن الأمير أبا الفتوح يوسف بن زيرى كتب إلى العزيز في سنة سبع وستين يسأله في طرابلس وسرت وأجدابيه وكان عليها عبد الله بن خلف فأنعم له بها فرحل عنها عبد الله وتسلمها أبو الفتوح. وفي سنة ثمان كتب أبو طالب أحمد بن أبي القاسم محمد بن أبي المنهال قاضي المنصورية إلى العزيز يسأله في القدوم فأجابه إلى ذلك فسار بأهله وأولاده في آخر شوال وقدم القاهرة فأجرى له العزيز في كل سنة ألف دينار. وكتب أبو الفتوح إلى العزيز يشاوره من يولى القضاء فكتب إليه: قد رددت هذا الأمر إليك فول من شئت. فاختار محمد بن إسحق الكوفي وولاه آخر ذي الحجة سنة ثمان وستين وكتب إلى العزيز يخبره بذلك فأجاز فعله وبعث إليه سجلاً بالقضاء. وفي يوم الاثنين لخمس خلون من جمادى الآخرة سنة خمس وستين سير الأمير أبو الفتوح الهدية من رقادة ومعها المال مع محمد بن صالح صاحب بيت المال وعيسى بن خلف المرصدي وقائد المهدية زروال بن نصر فقدموا إلى القاهرة والعزيز آخذ في حركة السير لحرب هفتكين فأمر برد المال الذي أحضره الأمير زيرى مع الهدية وذلك أن عبد الله بن محمد الكاتب لما وصل إليه السجل من العزيز بموت أبيه المعز وقيامه بعده في الخلافة قرأه على الناس بالمنصورية من القيروان وفرق ما بعثه العزيز من الدنانير والدراهم التي ضربت باسمه على رجال الدولة ثم بسط رداءه وألقى فيه دنانير وقال: ليلق كل واحد فيه ما يستطيع من التقرب. ثم جمع أهل القيروان وصادرهم فأخذ من عشرة آلاف دينار إلى دينار واحد حتى عم أكثر أهل البلد وسائر أعمال إفريقية فجبى زيادة على أربعمائة ألف دينار عيناً. فلما بلغ ذلك العزيز كتب برد المال لأربابه فرأى عبد الله بن محمد برد المال نقضا عليه وحمله إلى العزيز مع الهدية وجعل مال الهدية خاصة في صرر وكتب على كل صرة اسم صاحبها فرد العزيز صرراً نفسية إلى أصحابها وهم يومئذ بمصر وأمر برد باقي المال إلى المغرب ليفرق على أربابه فقال له الوزير يعقوب بن كلس: هذه أموال عظيمة ونحن محتاجون إليها للنفقة على هذه العساكر وإن رجعت أمرت يردها إليهم من بيت المال. فقبل منه وأنفقها على العسكر. ثم دخلت سنة تسع وستين وثلاثمائة وفيها استحضر أخويه وعميه وجماعة من أهله ورسم لهم الأكل معه على مائدته. وفيها أرسل فلح أمير برقة للعزيز هدية فيها مائتا فرس مجللة ومائة بغل مجللة ومائة وخمسون بغلا بأكف وخمسمائة جمل ومائة نجيب ومائة صندوق فيها المال. وفيها سار ناصر الدول أبو تغلب من طبرية إلى الرملة في المحرم وبها الفضل بن صالح وقد انضم إليه دغفل بن مفرج بن الجراح فقاتلا أبا تغلب قتالاً كثيرا حتى لم يبق معه إلا نحو سبعمائة من غلمانه وغلمان أبيه فولى منهزما وأتبعوه فأخذ وقتل وبعث الفضل ابن صالح برأس أبي تغلب بن ناصر الدولة بن حمدان وعدة أسارى فأمر العزيز بإطلاق الأسرى وقدم هديته وهي: أحمال محزومة ومائتا فرس وخمسون بختيا ومائة بغل ومائة ناقة فخلع عليه وأركب على فرس وقيد بين يديه خمسة أفراس ومائة قطعة من الثياب وعشرون ألف دينار. وكان من خبر الفضل بن صالح أن العزيز لما سار من الرملة بأفتكين إلى مصر جعل بلد فلسطين لمفرج بن دغفل بن الجراح الطائي فأنفذ إلى دمشق واليا من المغرب يقال له حميدان بن جواس العقيلي في نحو مائتي رجل وقد غلب عليها قسام التراب السقاط عندما وردت عليه كتب العزيز عند مسيره إلى محاربة أفتكين من ورائه فأظهر سام الكتب وقرأها في الجامع ووعد الرعية بالإحسان وبترك الخراج لهم إن منعوا أفتكين من دخول البلد فقصدت يد الرياشي نائب أفتكين عنه لقوة قسام وكثرة أصحابه ودالتهم بأنهم قاتلوا جوهراً القائد ومنعوه من البلد فأخذ الخفارة من القرى وأنفق سوق الرياشي فتمكن وأمن وكثر الطامع في البلد فولى أفتكين رجلا يقال له تكين من الأتراك فلم تنبسط يده لكثرة من غلب على دمشق من أهل الشر فلما نزل أخوا بختيار دمشق قوى تكين وأراد أن يقهر قساماً فأوقع بطائفة من أصحابه بالغوطة ثم اصطلحا. وكان من مجيء القرامطة ما ذكر فنزلوا على دمشق فمنعهم قسام من البلد وعمل على قتالهم فصار له بذلك يد عند العزيز فلما رحلوا إلى بلادهم وتمكن ابن الجراح من فلسطين إلى طبرية استولت فزارة ومرة على حوران والبثنية وخربتها حتى بطل الزرع منها وجلا أهلها فهلكوا من الضر وصار كثير منهم إلى حمص وحماة وشيزر وأعمال حلب فعمرت بهم البلاد. ثم إن قساماً وقع بينه وبين حميدان العقيلي فثار به ونهبه ففر منه وقوى قسام وكثرت رجاله وزاد ماله فولى دمشق بعد حميدان أبو محمود في نفر يسير فكان تحت يد قسام لا أمر له ولا نهى. واتفق في هذه السنة أن ولي دمشق ظالم بن موهوب العقيلي والقرمطي ووشاح وحميدان وكانت واقعة فناخسرو مع بختيار بالعراق فكان ممن انهزم أبو تغلب فضل الله بن ناصر الدولة ابن حمدان فسارت خلفه عساكر فناخسرو وكتب فيه إلى الأكراد والروم أن لا يجيره أحد ففر أبو تغلب إلى آمد وسار منها إلى الرحبة وكتب إلى العزيز أن يقيم في عمله وسار في البر إلى حوران فنزل على دمشق وكتب العزيز إلى قسام يمنعه من البلد فمنعه ثم أذن أن يتسوق أصحابه من المدينة. وطمع أبو تغلب في ولاية دمشق من قبل العزيز فخافه قسام وأشير على العزيز في مصر أن لا يمكن ابن حمدان من دمشق فإنه إن مكن عظم شره فكوتب بكل ما يحب وكتب إلى قسام بأن لا يمكنه. هذا وأبو تغلب بن حمدان نازل بظاهر المزة فأقام شهورا وثقل على قسام مقامه وخاف أن يلي البلد فأكمن لأصحابه في البلد وأخذ منهم سبعين وقتل جماعةً وسلب الباقي فلحقوا بأبي تغلب فلم يطق فعل شيء وكتب إلى العزيز وكتب قسام أيضا: بأن أبا تغلب قد حاصر البلد ومد يده إلى الغوطة وقتل رجالي ونحن على الحرب معه فخرج الفضل بن صالح كما تقدم ونزل الرملة وبعث إلى ابن الجراح من مصر بسجل فيه ولايته على الرملة. وكان أبو تغلب قد سار عن دمشق وسار الفضل فنزل طبرية واجتمع به أبو تغلب بمكاتبة فجبى الخراج وزاد في العطاء واستكثر من الرجال وخرج عنها فأخذ طريق الساحل. وكان أبو تغلب قد استولى على أهراء كانت بحوران والبثنية فاجتمعت إليه العرب من بني عقيل فيهم شبل بن معروف العقيلي فسار بهم إلى الرملة فخرج منها ابن الجراح وأخذ في جمع العرب وهو واثق بأن الفضل معه على أبي تغلب وفي ذهن أبي تغلب أن الفضل معه على ابن الجراح ونزل الفضل عسقلان فواقع ابن الجراح بجموعه أبا تغلب وأدركه الفضل فاجتمع العسكران وفر من كان مع أبي تغلب فلحقوا بالفضل ووقع القتال فانهزم أبو تغلب وأدركه القوم فأخذ وحمل إلى ابن الجراح فأركبه جملا وشهر بالرملة ونزع جميع ما عليه حتى بقي بثوب رقيق وحبسه فطلب شيئا يتوسد عليه فقال ابن الجراح: اجعلوا تحته شوكاً يتوسده. فحمل إليه وقالوا له: توسد بهذا. فأغلظ في القول وشتم ابن الجراح فبلغه ذلك فغضب وأمر بقتله فقتل وأحرق ليومين بقيا من صفر سنة تسع وستين وبعث برأسه إلى العزيز مع الفضل وخلة الديار لابن الجراح فأتت طي عليها فتعطلت الزروع من القرى. وكان فناخسرو البويهي قد عزم على إرسال العساكر إلى مصر فخالف عليه أخ له واستنجد بصاحب خراسان فأمده بعساكر عظيمة فسير إليه فناخسرو العساكر من بغداد فشغل بذلك عن مصر. وفيها ولد للوزير يعقوب بن كلس ولد ذكر فأرسل إليه العزيز مهداً من صندل مرصعاً وثلاثمائة ثوب وعشرة آلاف دينار عزيزية وخمسة عشر فرسا بسروجها ولجمها منها اثنان ذهب وطيب كثير فكان مقدار ذلك مائة ألف دينار.
وعقد العزيز على امرأة فأصدقها مائتي ألف دينار وأعطى الذي كتب الكتاب ألف دينار وخلع على القاضي والشهود وحملهم على البغال فطافوا البلد بالطبول والبوقات. وبعث متولى برقة هدية وهي: أربعون فرسا بتجافيف وأربعون بغلا بسروجها ولجمها وستة عشر حملا من المال ومائة بغلة وأربعمائة جمل. وجهز الحاج وكسوة الكعبة وصلات الأشراف والطيب والشمع والزيت فبلغ مصروف ذلك مائة ألف دينار وكثر حلف الناس برأس أمير المؤمنين فنودي: برئت الذمة من أحد قال هذا وحلت به العقوبة فلا يحلفن إلا بالله وحده. وفيها قدم كتاب ومغنين ابنا زيرى بن مناد إلى القاهرة فارين من سجن أخيهما الأمير أبي الفتوح يوسف بن زيرى فأكرمهما العزيز وخلع عليهما ووصلهما. وفيها أخرج العزيز باديس بن زيرى من القاهرة في خيل كثيرة إلى مكة مع الحاج فلما وصل إلى مكة أنا الطرارون فقالوا: نتقبل هذا الموسم بخمسين ألف درهم. فقال لهم: اجمعوا أصحابكم حتى أعقد هذا على جميعهم. فلما اجتمعوا أمر بقطع أيديهم وكانوا نيفا وثلاثين رجلا فقطعوا أجمعين. وأما الشام فإن العزيز بعث سلمان بن جعفر بن فلاح في أربعة آلاف فنزل الرملة وبها ابن الجراح فتباعد وقد استوحش كل منهما من صاحبه فأقام أياماً ورحل إلى دمشق فوجد قساما قد غلب عليها فنزل بظاهر البلد وقد ثقل على قسام وأراد سلمان يأمر وينهي في البلد فلم يقدر على ذلك وطال مقامه في غير شيء وقل المال عنده وأراد إقامة الحرمة فأمر قساما ألا يحمل أحد السلاح فأبوا عليه وبعث إلى الغوطة ينهاهم عن حمل السلاح: وأن لا يعارضوا السلطان في بلده ومن وجدناه بعد هذا يحمل السلاح ويأخذ الخفارة ضربنا فقال لهم قسام: لا نفكر فيه كونوا على ما أنتم عليه وطاف العسكر الغوطة فوجدوا قوما يحملون السلاح ويأخذون الخفارة فقطعوا رءوسهم فثار قسام ومن معه إلى الجامع وثار الغوغاء وأخرج إلى سلمان قوما فقاتلوه وأقام بالجامع ومعه شيوخ البلد وكتب محضرا أشهد فيه على نفسه أنه متى جاء عسكرا من قبل فناخسرو وأغلق البلد وقاتلهم وكتب بما جرى وسير ذلك إلى العزيز فبعث إلى سلمان أن يرحل عن دمشق فرحل بعد ما أقام شهورا. وقدم أبو محمود من طبرية بعد مسير ابن فلاح في نفر وخرج الفضل بن صالح من عند العزيز ليحتال على ابن الجراح وعلى قسام وأظهر أنه يريد حمص وحلب ليأخذ تلك البلاد فنزل على دمشق وفطن ابن الجراح لما يريده فأخذ حذره وسار عن الفضل فرحل في طلبه ومعه شبل بن معروف فكانت بينه وبين ابن الجراح وقعة في صفر سنة سبعين فأوقع ببني سنبس فقتل شبل بن معروف طعنه بعض بني سنبس فمات. وبعث ابن الجراح إلى العزيز يتلطف به ويسأله العفو فأرسل إلى الفضل يأمره بالكف عن ابن الجراح وأن لا يعرض له فوافاه ذلك وهو يجهز العساكر خلف ابن الجراح فكف عن قتاله وعاد إلى مصر. ورجع ابن الجراح إلى بلاد فلسطين على ما كان فأهلك العمل حتى كان الإنسان يدخل الرملة هذا ودمشق تمتار من حمص وكان عليها بكجور من قبل أبي المعالي شريف بن سيف الدولة ابن حمدان وقد عمر حمص بعد خرابها من الروم لما دخلوها في سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة. واتفق خراب دمشق كما تقدم فرحل أهل القوافل من حمص إلى دمشق ودمشق قد طمع في عملها العرب حتى كانت مواشيهم تدخل الغوطة وأبو محمود إبراهيم بن جعفر واليا عليها تحت مذلة قسام فهلك في صفر سنة سبعين فكاتب بكجور العزيز فوعده بولاية دمشق فورد الخبر بموت فناخسرو فأمن العزيز مما كان يخاف وجهز عسكراً عليه رشيق المصطنع. وكان بشارة الخادم الإخشيدي قد فسد أمره مع أبي المعالي بحلب ففر منه في مائة رجل إلى مصر فأكرمه العزيز وولاه طبرية فاستمال رجالا من أهل حلب وضبط البلد وعمره فقوى أمره وابن الجراح بفلسطين يخرب ويأخذ الأموال. وقدم أيضاً على العزيز رخا الصقلي في ثلاثمائة غلام من الحمدانية فولاه عكا وقدم رخا في عدة منهم فولاه أيضاً قيسارية. خرج عسكر من مصر إلى الشام عليه بلتكين التركي أحد أصحاب أفتكين ليكون على دمشق بدل رشيق وكوتب بشارة بمعاونة العسكر على حرب ابن الجراح ونزل العسكر الرملة وسار بشارة من طبرية واجتمعت العرب من قيس إليهم فكانت الحرب بينهم وبين ابن الجراح فانهزم وقتل كثير من أصحابه وصار إلى أنطاكية مستجيرا بصاحبها. وكان الروم قد خرجوا من القسطنطينية في عسكر عظيم يريدون أرض الشام فخاف ابن الجراح فكاتب بكجور وسار بلتكين فنزل على دمشق في ذي الحجة فجمع قسام الرجال من الغوطة وغيرها ورم شعث السور وضبط الأبواب بالرجال ونصب. وكان مع قسام في البلد منشا اليهودي على عطاء العسكر وتدبيره وجيش بن الصمصامة شبه وال في طائفة من المغاربة قد ولى بعد خاله أبي محمود فخرج إلى بلتكين بمن معه وقد صار معه أيضاً بشارة بعسكره فبعث إلى قسام أن يسلم البلد ويكون آمناً هو ومن معه فأبى. فلما كان التاسع عشر من المحرم ابتدأ القتال مع قسام ووقع النفير في البلد فلم يخرج مع قسام إلا حزبه من العيارين وقوم من أهل القرى كانوا يأخذون الخفارة ويطلبون الباطل وقد كره جمهور الناس قساما وأصحابه فلما تقاصر عنه أهل البلد انكسر قلبه وأصحابه ثابتون على القتال وقتلوا جماعةً من الجند وكثر فيهم الجراح من نشاب أصحاب بلتكين وتبين الانكسار على قسام لتقصير الرعية عن معاونته ومقتهم إياه وقوة أمر السلطان وكان قد كثر عليه الصلب من أصحابه للمال وقت الحرب فأمسك عنهم وشح بماله فقالوا: على أي شيء نقتل أنفسنا فتفرقوا عنه إلا وجوه أصحابه وخاصته. واستمر القتال أياماً فاجتمع الخلق إلى قسام في أن يخرج إلى بلتكين ويصلحوا الأمر معه فلان وذل بعد تجبره وقال: افعلوا ما شئتم. وكان العسكر قد قارب أن يأخذ البلد فخرجوا إلى بلتكين وكلموه في ذلك فأمر بكف العسكر عن القتال وأمر قساماً وأصحابه فعاد القوم إليه وأخبروه وهو ساكت حائر قد تبين الذل في وجهه واجتمع أكثر الناس فصاح من كان قد احترقت داره وهم كثير بقسام: انتقم الله ممن أذلنا وأحرق دورنا وشتتنا وتركنا مطرحين على الطرق. فعجب قلبه من سماع صياحهم وقال: أسلم البلد. فولى بلتكين حاجباً يقال له خطلخ فدخل المدينة في خيل ورجل فلم يعرض لقسام ولا لمن معه فتفرق عن قسام أصحابه فمنهم من استأمن ومنهم من هرب ومنهم من أخذ واختفى قسام بعد يومين فأصبح القوم أول صفر وقد علموا باختفائه فأحاطوا بداره وأخذوا ما فيها ونزلوها وما حولها من دور أصحابه وبعثوا الخيل في طلبه فلم يوقف له على خبر ونودي في البلد. من دل على قسام فله خمسون ألف درهم ومن دل على أولاده فله عشرون ألف درهم. وكان له من الأولاد: أحمد ومحمد وبنت. فظفروا بامرأته وابن لها معها فحبسا. فلما مضى لقسام جمعة وهو مختف قلق وجاء في الليل إلى منشا بن الغرار اليهودي فأوصله إلى بلتكين فقيده وحمله إلى مصر فعفا عنه العزيز. وكان قسام من بطن من العرب يقال لهم الحارثيون من قرى الشام فنشأ بدمشق وكان يعمل على الدواب في التراب ثم إنه صحب رجلا يقال له ابن الجسطار ممن يطلب الباطل ويحمل السلاح فصار من حزبه وترقى إلى ما تقدم ذكره. وكتب بكجور إلى العزيز يسأله في إرسال جيش ليأخذ به حلب فأنفذ إليه عسكراً من دمشق وجمع بني كلاب فسار بهم إلى حلب وحاصرها فقدم دمشق الروم إلى أنطاكية وقصد أن يكبس بكجور فكتب إليه ابن الجراح يحذره فارتحل عن حلب فسار عسكر الروم خلفه ودخل ملك الروم إلى حمص فلم يعرض لأحد ورحل يريد طرابلس وسير يريد مالا من حمص فامتنع أهلها فرجع ونهب وسبا وأحرق الجامع وغيره فاحترق كثير من الناس وذلك في تاسع عشر جمادى الأولى وهي دخلة الروم الثانية حمص. ويقال أن أبا المعالي بن حمدان لخوفه من بكجور سير إلى برديس ملك الروم أن يخرب حمص وفارق أصحاب بلتكين بكجور وصاروا إلى دمشق فبعث بكجور إلى العزيز يسأله ولاية دمشق فورد جوابه: إنا قد وليناك فبعث إلى بعلبك واليا وإلى بعلبك غلامه وصيف فأبى عليه بلتكين لكتاب ورد عليه من الوزير يعقوب بن كلس فتحير بكجور وما زال بشارة والي طبرية يتوسط لبكجور في ولاية دمشق حتى أمسك عنه الوزير فسار إلى القابون ثم تسلم البلد بعد أمور. ورحل بلتكين أول رجب وفي نفسه حقد على الوزير يعقوب بن كلس لمعارضته له في ولاية دمشق فعمل على كاتبه ابن أبي اليهودي حتى قتله بعض الأحداث الذين كانوا مع قسام في غيبته عن دمشق ببلاد حوران فعظم ذلك على الوزير وأخذ بكجور في ظلم الناس وجمع الأموال ومخالفة ما يأمر به من مصر وبعث غلامه وصيف فأخذ الرقة في سنة ست وسبعين فعصى عليه بها. وأخذ الوزير في قتل بكجور فبعث إلى دمشق فهموا به فلم يتم لهم وظفر بهم بكجور وقبض على من أراد ذلك وقتلهم في شهر رمضان سنة سبع وسبعين فازداد حنق الوزير وعلم بكجور بما دبره الوزير فأخذ يعارضه في ضياعه ويهين عماله وتحزق بابن أبي العود الصغير وكان قد ولى بعد قتل أخيه. واشتد جور بكجور وكثر قتله وصلبه للناس والبناء عليهم وكثرت مخالفته لما يرد عليه من العزيز فخرج إليه منير الخادم من مصر في سنة ثمان وسبعين بعسكر كبير وكتب إلى أهل الأعمال بالمسير معه إلى دمشق لحرب ابن الجراح فنزل الرملة وقد اختلف بكجور مع بشارة والي طبرية وأنزل ابن الجراح السواد وأطمعه في ضياع الوزير وجعله ضد البشارة وكاشف بالعصيان فجمع منير العرب من قيس وعقيل وفزارة وسار إلى عمان فسار إليه منير وصاروا جميعاً إلى عمل دمشق فجمع بكجور بني كلاب وبعث منير سرية إلى ابن الجراح وهو في طرف عمل دمشق فأوقعوا بقومه وغنموهم فانهزم. وكتب منير إلى بكجور: إنا لم نجيء لقتالك وإنما جئنا لنخرج ابن الجراح من العمل لأنه أفسد وعصى فتكون معيناً لنا فعلم أن هذا خداع وقد اشتد خوفه وقلقه من أهل البلد لكثرة إساءته لهم وجوره وتعديه لئلا يثوروا به فجمع عسكره وبعثهم إلى قتال منير وأقام بالبلد فكانت بينهم وقعة انهزموا فيها فخاف وبعث إلى منير: أني أسلم البلد وأرحل عنه فأجيب إلى ذلك. ورحل للنصف من رجب ومعه ابن الجراح يريد الرقة وتسلم منير دمشق وسير إلى مصر بذلك وبثلاثمائة من أصحاب بكجور استأمنوا فبعث العزيز إلى بكجور على لسان الوزير يقول: ما أردنا أن تبرح عن البلد وإنما بعثنا إلى ابن الجراح من يخرجه عن العمل لما أفسد فيه وما كان لك من الغلات والضياع فهو على رسمه أفعل فيه ما أحببت فما لنا فيه من حاجة. فأقام بكجور على ما كان له بدمشق من الضياع والأهراء من يتولى أمرها وبقى بالرقة يقيم الدعوة للعزيز ويراسله ويراسل كرديا قد غلب على ميافارقين يقال له باد ويكاتب أبا المعالي سعد الدولة واسمه شريف بن سيف الدولة علي بن حمدان بحلب أن يرده إلى حمص فولاه حمص فبعث من يتسلمها فقلق لذلك الوزير يعقوب بن كلس فبعث إلى ناصح الطباخ وهو بعمان أن يسير إلى حمص ويأخذ من بها من أصحاب بكجور فأسرى إليها وقد حذروا منه وخرجوا قادمين بأموالهم فأخذهم وسار إلى دمشق فبعث بكجور إلى صاحب بغداد فلم ير فيها تمكنت حال يعقوب بن كلس مع العزيز فأذل كتامة وقهرهم وقدم الأتراك عزل القائد جوهر عن الوزارة وكان العزيز يستشيره في الباطن. فيها تقدم العزيز إلى بعض من فيه جرأة وشهامة بالتوجه إلى بغداد ليسرق السبع الفضة الذي على صدر زبزب عضد الدولة فسار إلى بغداد وسرقه فعجب الناس من ذلك. في يوم الاثنين لثلاث خلت من شوال قبض العزيز بالله على الوزير يعقوب بن كلس وعلى الفضل بن صالح وأخوته وحمل ما في دورهم إلى القصر فكان ما حمل من دار الوزير يعقوب مائة ألف دينار واعتقل كل واحد بمفرده فارتجت المدينة ونهبت الأسواق وكانت الدواوين تجلس في دار الوزير فنقلوا إلى القصر. وعملت أوراق ما كان للوزير من أنواع البر فبلغت ألف دينار كل شهر فأمر العزيز باجرائها على أربابها ثم أفرج عنهم بعد شهرين وأعيد موجودهم وأعيد الوزير إلى وزارته ورد إليه وفيها كان غلاء عظيم عم بلاد الشام والعراق. وفيها مات هفتكين فاتهم الوزير يعقوب بأنه سمه فقبض عليه. ومات القاضي محمد بن الحسن بن أبي الربس. ومات أبو العباس بن سبك من الإخشيدية. وأما المغرب فإن العزيز بالله بعث في سنة ست وسبعين أبا الفهم حسن الداعي الخراساني إلى القيروان فأكرم إكراما كثيرا ثم توجه إلى بلاد كتامة فدعاهم وعظم عندهم حتى ضرب السكة وركب في عساكر عظيمة. ثم بعث العزيز في سنة سبع وسبعين أبا العزم ومحمد بن ميمون الوزان فلقيا الأمير أبا الفتح منصور بن يوسف بن زيرى فسبهما وأهانهما لسبب ما فعله أبو الفهم ووكل بهما ثم خرج وهما معه في طلب أبي الفهم حتى أخذه وقتله شر قتلة وأخذه العبيد فشرحوا لحمه وأكلوا كله وأمر أبا العزم ورفيقه أن يمضيا إلى مصر ويخبرا العزيز بما شاهداه فقدما عليه وقالا: رأينا شيئاً.
ومن خط ابن الصيرفي: كان رجل من التجار الغرباء ينزل في قيسارية الإخشيد التي يسكنها البزازون خلف الجامع العتيق فقتل في منزله وأخذ ماله فأصبح رشيق غلام ميمون دبة صاحب الشرطة السفلى فاعتقل جماعةً من أولاد التجار ومن كان ساكنا حول قيسارية الإخشيد فشنع الناس عن رشيق أنه دس على الرجل من قتله وأخذ ماله ورفع إلى العزيز ذلك وأنه اعتقل أبرياء مستورين فوقع على ظهر الرقعة إلى الوزير يعقوب بن يوسف في ذي الحجة سنة سبع وسبعين وثلاثمائة: سلم الله الوزير وأبقى نعمته عليه. هذه رقعة رفعت إلينا بالأمس الوزير سلمه الله يطلع عليها ويتدبرها والأمر والله فظيع يسوء الأولياء ويسر الأعداء وبالأمس كنا نضحك من فناخسرو واليوم ألجمنا بعار منى علينا في بلد نحن ساكنوه والأخبار تسير به في البلدان وحسبك بقتل الأنفس في مواضع الأمن والطمأنينة في وسط عمارة المسلمين وتؤخذ الأموال وقد وكل الأمر إلى رجلين لا يخافان الله عز وجل ولا يتقيانه والدنيا فانية والاجال متقاربة وإن أصبح الناس فما يدري أنه يمسي. الله عز وجل . هذه الجرائم. عليه منها يحرم أجره. في المتغافل عنه فوالله لو جرى مثل هذا في بلد يبعد عنا لوجب الاحتساب لله فيه فكيف تحت كنفنا وفي بلدنا! فليستقص الوزير سلمه الله عن هذه القصة ويوتر الله ويوترنا ويغسل هذا العار عن الدولة ولا يغمها به. فوالله الذي لا إله إلا هو وحق جدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كتبت إلى الوزير سلمه الله هذه الرقعة إلا وأنا خائف من نقم الله جل اسمه لكثرة تغافلنا وإهمالنا إلى أن صارت المعاملة في الدماء وقتل الأنفس فليس على هذا صبر ولا بد لك من الاستقصاء على هذه القصة فأوثق الناس إلى أن تنكشف فينتقم من فاعلها وتبرأ إلى الله تعالى منه. فليعمل الوزير سلمه الله في ذلك عملا يأجره الله عليها ونشكره ولا يتوانى عنه فليس ما نغسله عن أنفسنا بانكشاف هذه القصة قليلا عند الله جل وعلا وعند عبيده من بعد. وأنا أقسم على الوزير بحياتي ألا يتوانى عن هذا الأمر وليسرع بالفراغ منه وخلاص هؤلاء الرجال المساكين من مد يد من يطلب أموالهم وأنفسهم ظلماً وعدواناً والشرط والولاية قد صارت إرثا فلينظر الوزير سلمه الله أن يولى الشرطتين إنسانين يخافان الله عز وجل ويتقيانه فلا جمع الله ما لهما ولا ما يجيء منهما بتقلد فقدم ما أمرناك به في الوجوه وأظهره في الناس لتطيب أنفسهم وليعلموا أنا لا نغفل عن شيء يبلغنا الله فيه رضى ولهم فيه صيانة. والله حسبي وعليه توكلي. والسلام على الوزير ورحمة الله
قال ابن الصيرفي: فنسخ أهل مصر كافةً هذا التوقيع وصار الصبيان في المكاتب يعلمونه كما وصرف الوزير. ورشيقا عن الشرطتين. في سبع عشر ذي الحجة حدث بالقاهرة ومصر رعد شديد ورياح عاصفة فاشتدت الظلمة حتى شنعت وظهر في السماء عمود نار ثم احمرت السماء والأرض حمرةً زائدة وظهرت الشمس متغيرة إلى يوم الثلاثاء ثاني المحرم سنة تسع وسبعين وظهر كوكب له ذؤابة فأقام اثنين وعشرين يوماً. وفيها مات أبو الحسين أحمد أخو طغج في المحرم. وفي رجب سنة ثمانين: خرج الناس في لياليه على رسمهم في الليل ليالي الجمعة وليالي النصف إلى جامع القاهرة عوضا عن القرافة فزيد في الوقيد. وفي يوم الجمعة عشرة شهر رمضان ركب العزيز إلى جامع القاهرة بالمظلة فخطب وصلى. وفيه خط أساس الجامع الجديد مما يلي باب الفتوح وبدىء بالبناء فيه وتحلق الفقهاء الذين يتحلقون بجامع القاهرة فيه وخطب به العزيز وصلى يوم الجمعة النصف منه وحمل يانس الصقلي صاحب الشرطة السفلى السماط وبنيت مصاطب ما بين القصر والمصلى ظاهر باب النصر يكون عليها المؤذنون والفقهاء حتى يصل التكبير من المصلى إلى القصر وتقدم أمر القاضي محمد بن النعمان بإحضار المتفقهة والمؤمنين وأمرهم بالجلوس يوم العيد عليها وركب العزيز فصلى وخطب. وفي ذي القعدة ورد من دمشق مال الموسم وهو ستون حملاً. وفي النصف منه سارت قافلة الحاج في البر بالكسوة للكعبة والطيب والصلات فجلس العزيز للنظر إليهم وكانت قافلة عظيمة. وفيها مات الوزير يعقوب بن كلس يوم الخامس من ذي الحجة فكفن في خمسين ثوبا ما بين وشى ومثقل وشرب ديبقي مذهب وجفت كافور وقارورتين من مسك وخمسين منا ماء ورد وصلى عليه العزيز فكان ما كفن به وحنط به عشرة آلاف دينار. وحزن عليه العزيز حزناً شديداً ولم يأكل ذلك اليوم على مائدة ولا حضر أحد للخدمة وأقام كذلك ثلاثا وأقيم العزاء على قبره مدة شهر وأوفى العزيز عنه دينه وهو ستة عشر ألف دينار. وكان إقطاعه في كل سنة ثلاثمائة ألف دينار سوى الرباع. وفي يوم عرفة حمل يانس السماط وصلى العزيز وخطب يوم النحر ونحر النوق بيده ومضى إلى القصر ونصب له السماط والموائد وفرق الضحايا على أهل الدولة. وطمع بكجور في أخذ حلب فسار وجمع له أبو المعالي ابن حمدان وواقعه أول صفر فانهزم بكجور فبعث إليه وسيق له فضرب عنقه ثاني صفر وصلبه وسار فملك الرقة وأخذ ما كان فيها وملك الرحبة وعاد. وبلغ العزيز أن منير يكاتب صاحب بغداد فجهز عسكرا عليه منجوتكين فيمن اصطنعه من الأتراك وأعطاه مالا وسلاحاً وولاه الشام فبرز إلى منية الأصبع في صفر سنة إحدى وثمانين وخلع عليه وحمل إليه مائة ألف دينار ومائة قطعة من الثياب الملونة وعشر قباب بأغشية ومناطق مثقلة وأهلة وفرش وخمسين بندا وعشر منجوقات وعشرة أفراس فأقام بمنية الأصبغ شهرين وسبعة عشر يوما يخرج إليه العزيز في كل غدوة وعشية وينفذ إليه في كل يوم الجوائز والخلع ورفع من منية الأصبغ في رابع عشرين جمادى الأولى وخلع على ابن الجراح وحمل وسار مع منجوتكين فلم يزل بالقصور إلى ثالث شعبان فسار وودعه العزيز وجد في السير وكان ما أنفق عليه العزيز ألف ألف دينار ونيف وقدم قبل مسير ابن أبي العود الصغير وكان على الخراج بدمشق وكاشف بالعصيان فسار العسكر إلى الرملة ولقيه بشارة والي طبرية وكتب إلى والي طرابلس نزال وجمع منير رجاله واعتد للحرب وسار إليه فالتقى مع منير بمرج عذرا وكانت الحرب فانهزم منير في تاسع عشر رمضان وأخذ فحمل إلى منجوتكين فشهره على جمل ومعه قرد يصفعه في مائة من أصحابه وقائل ينادي: هذا منير لعنه الله أصبحت دياره خالية وكلابه عاوية ونساؤه صائحة طاعنته الرماة ونازلته الحماة هذا جزاء من نافق على الله عز وجل وعلى مولانا العزيز بالله. وأقام منجوتكين في دمشق ومعه ثلاثة عشر ألفا فساءت سيرتهم في الناس. ومات أبو المعالي بن حمدان في رمضان فسار منجوتكين يريد أخذ حلب من الحمدانية ونزل عليها وبها أبو الفضل بن أبي المعالي فقاتله أشد قتال وأقام نحو الشهرين ثم عاد إلى دمشق وترك معضاد على حمص. فيها طمع باد صاحب ديار بكر في أبي طاهر إبراهيم وأبي عبد الله الحسين ابني ناصر الدولة بن حمدان وقاتلهما فقتل باذ فسار بن أخته أبو علي بن مروان إلى حصن كيفا وبه امرأة خاله باد وأهله فخدعها حتى صعد إليها وملك الحصن وغيره من بلاد خاله وجرت بينه وبين ابني ناصر الدولة عدة حروب وقدم القاهرة على العزيز بالله فقلده تلك النواحي وعاد إليها حتى ثار به عبد البر شيخ آمد وقتله عند خروجه بالسكاكين شخص يقال له ابن دمنة واستولى عبد البر على ما بيده وزوج ابن دمنة بابنته فوثب ابن دمنة على عبد البر وقتله وملك آمد. وكان ممهد الدولة أخو أبي علي بن مروان لما قتل أخوه أبو علي سار إلى ميافارقين وملكها في عدة من بلاد أخيه فثار عليه سروة أحد أكابر أصحابه وقتله وقتل غالب بني مروان وذلك في سنة اثنتين وأربعمائة. ودخلت سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة فورد سابق الحاج أول محرم فأخبر بتمام الحج وإقامة الدعوة للعزيز فخلع عليه وطيف به المدينة. ووصل مفرج بن دغفل بن الجراح فخلع عليه. وأمر العزيز بازالة المنكرات وهدم مواضعها فكسر لرجل واحد خمسون ألف جرة وردت من الصعيد. وولد لأبي القاسم علي بن القائد الفضل بن صالح ولد فبعث إليه العزيز ثلاثين ثوباً فاخرة وعشرة أردية وعشر عمائم وثوبا مثقلا ومنديلا طوله مائة ذراع ومنديلا دونه وخمسمائة دينار وحملت إليه السيدة العزيزية مائة ثوب صحاحا من كل فن وثلاثمائة دينار ومهدين أحدهما أبنوس محلى بذهب والآخر صندل محلى بفضة مخرقة ولهما أغشية ومخاد وثياب وفرش مثقلة. وركب العزيز لفتح الخليج. وفي جمادى الآخرة زفت أخت كاتب السيدة العزيزية إلى زوجها بلتكين التركي ومعها جهاز بمائة ألف دينار سوى صناديق محملة على ثلاثين بغلا وعمل له صنيع ذبح فيه عشرون ألف حيوان ما بين كبش وخروف وجدي وأوزة ودجاجة وفروج ونزلت إليه في عشرين قبة وخلع عليه وحمل وأقامت عنده خمسة أشهر وأحد عشر يوماً ومات. وفي رجب كان عيد الصليب فمنع العزيز من الخروج إلى بني وائل وضبط الطرقات والدروب فإنه كان يظهر فيه من المنكرات والفسوق ما يتجاوز الوصف. وبعث العزيز إلى منجوتكين إنعاماً بمائة ألف دينار وكان المهرجان فسير إليه أيضاً هدايا وأهدى خواص الدولة إلى العزيز في المهرجان. وفي ليلة النصف من شعبان كان الاجتماع بجامع القاهرة.
وفي رمضان صلى العزيز الجمع وخطب بجامعه وعليه طيلسان وبيده القضيب وفي رجله الحذاء وصلى أيضاً بجامع القاهرة وخطب. واعتل منصور بن العزيز فتصدق العزيز على الفقراء بعشرة آلاف دينار وحمل السماط للعيد على العادة. وصلى العزيز صلاة عيد الفطر وخطب على رسمه. وأهدت إليه امرأة من البلدة سبعاً قد ربته فكانت ترضعه ولا يصرعها وهو في قدر الكبش الكبير. وسارت قافلة الحاج في رابع عشر ذي القعدة بكسورة الكعبة والصلات. واعتل القائد جوهر فركب العزيز إليه وبعث له خمسة آلاف دينار ومزينة بمثقل وبعث إليه منصور بن العزيز خمسة آلاف دينار وتوفي لسبع بقين من ذي القعدة فكفن في سبعين ثوباً ما بين مثقل ووشى مذهب وصلى عليه العزيز وخلع على ابنه الحسين وجعله في رتبة أبيه ولقبه القائد ابن القائد ولم يعرض لشيء مما تركه. ومن بديع توقيعات القائد جوهر ما حكاه أبو حيان التوحيدي في كتاب بصائر القدماء قال: كتب جوهر عبد الفاطمي بمصر موقعاً في قصة رفعها أهلها إليه: سوء الاجترام أوقع بكم حلول الانتقام وكفر الإنعام أخرجكم من حفظ الذمام فاللازم فيكم ترك الإنجاب واللازم لكم ملازمة الاجتناب لأنكم بدأتم فأسأتم وعدتم فتعديتم فابتداؤكم ملوم وعودكم مذموم وليس بينهما فرجة تقتضي إلا التبرم بكم والإعراض عنكم ليرى أمير المؤمنين صلوات الله عليه رأيه فيكم. وحملت أسمطة عيد النحر على العادة وصلى العزيز بالناس صلاة العيد وخطب ثم نحر بالقصر ثلاثة أيام وفرق الضحايا. وفي غد يوم النحر وصل منير الخادم من دمشق فشهر على جمل بطرطور طويل فخرجت الكافة للنظر إليه ومعه سبعمائة رأس على رماح فطيف به ثم خلع عليه وعفى عنه. وعمل عيد الغدير على رسمه. وضرب رجل وطيف به المدينة من أجل أنه وجد عنده موطأ مالك رضي الله عنه . وفي تاسع عشره جلس علي بن عمر العداس بالقصر فأمر ونهى ونظر في الأموال ورتب العمال وتقدم أن لا يطلق لأحد شيء إلا بتوقيعه ولا ينفذ إلا ما قدره وأمر به ألا يرتفق ولا يرتزق ولا تقبل هدية ولا يضيع دينار ولا درهم. وفيها كان بدمشق زلزلة عظيمة سقط منها ألف دار وهلك خلق كثير وخسف بقرية من قرى بعلبك وخرج الناس إلى الصحارى وكان ابتداؤها في ليلة السبت سابع عشر المحرم وخرج الناس إلى الصحراء ولم تزل الزلازل تتابع إلى يوم الجمعة سابع عشر صفر بلاءً. ثم دخلت سنة اثنتين وثمانين وثلاثمائة فورد سابق الحاج بتمام الحج وإقامة الدعوة للعزيز بالموصل واليمن وضربت السكة باسمه في هذه البلاد. وقدم رسول القرامطة بأنهم في دعوة العزيز ونصرته. وفي صفر سير إلى منجوتكين خمسون حملاً من المال وأربعون حملا من ثياب محزومة وخزانة سلاح وخمسمائة فارس. وقدمت قافلة الحجاج في سابع عشره. وجرى في الأسعار ما يعجب منه وهو أن اللحم أبيع في أول ربيع الأول رطل ونصف بدرهم ثم أبيع في سادسه عشر أواقى بدرهم ثم أبيع أربعة أرطال بدرهم ولحم البقر ستة أرطال بدرهم والخبز السميذ اثنا عشر رطلا بدرهم وما دونه سبعة عشر رطلا بدرهم والدراهم كل خمسة عشر درهما ونصف بدينار وبلغت القطع الدراهم سبعة وسبعين درهما بدينار ثم وصلت كل مائة درهم منها بدينار واضطربت الأسعار والصرف فضربت دراهم جدد وبيعت القطع المسبك كل خمسة دراهم منها بدرهم جديد وكان على الدرهم الجديد: الواحد الله الغفور. وفي الوجه الآخر الإمام أبو المنصور. وفي ربيع الآخر ورد الخبر بفتح منجوتكين حمص وحماة وشيزر وأنه محاصر لحلب فجعل الطائر الذي قدم بالخبر في قفص عليه ثوب ديباج وطيف به القاهرة ومصر. وسعى بعض النصارى بالكتاب إلى العزيز فانكف عيه وهدد فقيل إنه جائع فرتب في كل شهر عشرون دينارا ونهى عن العود لمثل ذلك فخاف السعاة وانكفوا. وخلع القاضي محمد بن النعمان على مالك بن سعيد الفارقي وقلده قضاء القاهرة فركب بالخلع وشق الشارع إلى القاهرة. وفي جمادى الأولى ورد الخبر على جناح الطائر بأن سعد الدولة شريف بن سيف الدولة على بن حمدان بذل لمنجوتكين ألف ألف درهم وألف ثوب ديباج ومائة فرس مسرجة ليرحل عنه فامتنع وقدم الروم فواقعهم منجوتكين وقد استخلف على قتال حلب عسكرا وكان منجوتكين في خمسة وثلاثين ألفا والروم في سبعين ألفا وانهزم الروم عند جسر الجديد وأخذ سوادهم وقتل منهم وأسر كثير فقرأ العزيز الكتاب بنفسه على الناس ونزل القاضي محمد بن النعمان فقرأه على الكافة فوق المنبر بالجامع العتيق وقال في كلامه: فاحمدوا الله أيها الناس فإن الله تعالى قد صانكم وصان أموالكم بمولانا وسيدنا الإمام العزيز بالله عليه السلام فما بالعراق تاجر معه عشرة دنانير أو أكثر إلا وتؤخذ منه. وسقط الطائر بعده بأن منجوتكين غنم غنيمة عظيمة من الأموال والرجال والدواب وأنه ظفر بعشرة آلاف أسير فأخذهم وأنهم قاتلوا معه وهو محاصر للروم في أنطاكية فقرأ القاضي الكتاب على المنبر وتصدق العزيز بصدقات كثيرة. وسقط الطائر بوصول منجوتكين إلى مرعش وعاد إلى حلب. وركب العزيز لفتح الخليج بالمظلة وعليه قميص ديباج مثقل وتاج مرصع بالجوهر.
ولأربع عشرة خلت من رجب كان عيد الصليب فجرى الناس في الاجتماع فيه للهو على ما كانوا عليه.
وسقط الطائر بعود منجوتكين عن حلب إلى دمشق ليشتى بها. وردت الحسبة إلى حميد بن المفلح وخلع عليه فطاف البلد بالطبول والبنود وضمن ضياعا وخطب العزيز في رمضان في جامع القاهرة وصلى وركب يوم الفطر فصلى بالناس وخطب على الرسم. وسارت قافلة الحاج للنصف من ذي القعدة. ونودي في السقائين أن يغطوا روايا الجمال والبغال كي لا يدنسوا ثياب الناس. وعمل سماط عيد نحر وركب العزيز فصلى بالناس صلاة عيد النحر وخطب على رسمه ونحر وفرق الضحايا. وعمل عيد الغدير على العادة. وفيها سار بكجور من الرقة إلى قتال سعد الدولة أبي المعالي شريف بن سيف الدولة على بن حمدان بحلب فاقتتلا وانهزم بكجور ثم قبض عليه وحمل إلى سعد الدولة أسيراً فقتله. وفيها كتب العزيز سجلا بولاية العهد بالمغرب لأبي مناد باديس بن منصور بن زيرى بعد أبيه فسر بذلك أبوه. ثم دخلت سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة في المحرم ردت الحسبة إلى الوبرة النصراني ضمانا مع السواحل فأمر أبو محمد الحسن ابن عمار بالنظر في الظلامات وحوائج الناس وتدبير الأموال ومحاسبة أرباب الدواوين فجلس لذلك ثم أعفي منه وأمر القائد الفضل بن صالح بالجلوس لذلك فجلس بالقصر ومعه القاضي محمد بن النعمان. وقدم سابق الحاج فخلع عليه وطيف به. ومحرج العزيز إلى الجيزة لصيد سبع وعاد وهو بين يديه على بغل وظهر بمصر جراد لم يعهد مثله فبيع بالأسواق منه شيء يجل عن الوصف وكان يباع أربعة أرطال بدرهم.
ووصلت قافلة الحاج لأربع بقين من صفر. وعرض على العزيز عمل الخراج ووجوه الأعمال وتقدير ذلك وابتدىء فيه بمصروف مؤونته ومطابخه وموائده فحذفه ولعن من عمله وقال: أشبع أنا وتجوع الناس أطلقوا أرزاق الناس على الأدوار فقد كدت أن أعطل المائدة وفي أول ربيع الأول أمر العزيز الكتاب كلهم أن يمتثلوا ما يأمر هو به أبو الفضل جعفر ابن الفرات فركبوا إليه وأمر ونهى وتكلم في الدواوين. وكانت وقعة في البحر مع الروم بنواحي الإسكندرية وأسر فيها من الروم سبعون. وأمر بنصب أزيار الماء على الحوانيت مملوءة ماء ووقود المصابيح على الدور وفي الأسواق وقرىء سجل بألا يؤخذ على الموازين والأرطال حق طبع وألا يأخذ أعوان المحتسب من أحد شيئا. ووردت مراكب الروم إلى الإسكندرية فسار إليها العسكر في البر والأسطول في البحر فولوا من غير حرب إلى الشام فسار الأسطول إليهم وزيد فيه ثمانية عشر مركبا مشحونة بالسلاح والمقاتلة. وذكر عند العزيز كتاب العين في اللغة فأخرج منه نيفا وثلاثين نسخة من خزانته منها واحد بخط الخليل بن أحمد مؤلفها. وحملت إليه نسخة من تاريخ الطبري اشتراها بمائة دينار فأمر الخزان فأخرجوا من خزائنه عشرين نسخة منها نسخة بخط محمد بن جرير جامعه. وذكرت عنده جمهرة ابن دريد فأخرج منها مائة نسخة وفيها ركب العزيز لفتح الخليج بزيه. وظهر رجل من الرسيين يقال له القاسم بن علي يطلب الخلافة بأعمال الحجاز. وفي جمادى وردت هدية منصور بن يوسف بن زيرى من المغرب وهي: وخمس عشرة بغلة مسرجة. ومائة وثمانون فرسا ذكورا. وخمسون حجرة. وخمسون بغلة بأجلة. وثلاثمائة بغل بأكف منها مائة بغل تحمل صناديق المال. وخمسمائة وخمسة وثلاثون جملا تحمل البر وغيره وثلاثمائة عليها أحمال المال. وكلاب الصيد. وخمسة أفراس بسروجها لولد العزيز وعشرون فرسا بأجله. وخمسة عشر خادما صقالبة.
وجلس العزيز عند المصلى وعلى رأسه المظلة وسارت العساكر بين يديه قبيلة قبيلة وعرضت عليه الخيول والرجال على الرسم في كل سنة. وحضر الفقهاء وغيرهم في رجب بجامع القاهرة في ليالي الجمع وفي ليلة النصف على العادة. وفي تاسع عشر شعبان ركب العزيز فوقف على فرسه تحت شراع نصب له ومرت العساكر بالخيل والجواشن والخوذ فمروا قائداً قائداً كل واحد بعسكره في حجابه وشاكريته وبنوده وكانوا مائة وستين قائدا فيهم من عسكره ثلاثة آلاف إلى ألفين وكان الغرض بهذا العرض أن يرى رسول منصور بن زيرى العساكر. واستعفى جعفر بن الفرات من النظر في الأموال فأعفى وحوسب وضمن عدة من الكتاب القيام بوجوه الأموال وألزم ابن الفرات بمال. وخطب العزيز في رمضان بجامعه وصلى بالناس صلاة الجمعة ومعه ابنه منصور فجعلت المظلة على الأمير منصور بن العزيز وصار العزيز بغير مظلة وصلى أيضاً صلاة عيد الفطر ومعه ابنه على الرسم. وسارت قافلة الحاج للنصف من ذي القعدة بالكسوة للكعبة والصلات فخرج حاج كبير وخرج معهم ثلاثة آلاف وخمسمائة مقاتل وبلغت النفقة على الكسوة والصلات ثلاثمائة ألف دينار. ووصل البقط من النوبة إلى العادة ومعهم فيل وزرافة. وفيها كثر بخس الباعة في البيع من المكاييل والموازين فكتب سجل في الأسواق بالنهي عن ذلك وخوفوا بأن من وجدت عنده صنجة أو كيل أو ميزان بعد ثلاث وفيها عيب حلت به العقوبة كائناً من كان من ساكن في عقار الدواوين الخاصة والأملاك أو في رباع أحد من خواص وحمل سماط العيد وخطب العزيز بالمصلى بعد ما صلى صلاة عيد النحر بزيه وفرق الضحايا ونحر. وخرج على جعفر بن الفرات خراج ضياعه بالشام مبلغ خمسة وخمسون ألف دينار فألزم بذلك وتسلمت ضياعه المذكورة حتى استوفى ذلك منها فأصابه عنت عظيم. وعمل عيد الغدير على العادة. وفي هذه السنة كسفت الشمس بأجمعها في سلخ جمادى الآخرة فأظلمت الدنيا وظهرت النجوم حتى لم ير الإنسان كفه ثم انجلى الكسوف آخر النهار. وفيها حمل من تنيس صبي يعرف بحسين بن عمر إلى القاهرة لم يبل قط فاعتبر حاله بها فكان كذلك وسقي أدوية مدرة للبول فلم يبل فأحسن غليه وأعيد إلى تنيس وأقام بها مدةً حتى مات. في المحرم قدم عيسى بن جعفر الحسني أمير مكة بالقاسم بن علي الرسي الثائر بالحجاز فأكرمهما العزيز وأحسن إليهما. ونزل منصور بن مقشر طبيب العزيز لتعهده وبين يديه الجنائب وعلى الصبي شاشية مرصعة وبين يديه أسطال فضة وثلاثون شمعة موكبيه وشمع معنبر فشق الشارع نهاراً إلى الكنيسة. وفي ربيع الأول جلس منصور بن العزيز في المكتب. وورد صندل عامل برقة بالهدية من المال والخيل والبغال والأحمال المحزومة والجمال فخلع عليه وحمل. وفيه حمل إلى القصر بستان من فضلة فيه أنواع الأشجار المثمرة وجميع الأزهار كل ذلك من فضة. وفي ربيع الآخر سار منجوتكين من دمشق في ثلاثين ألفاً لقتال ابن حمدان بحلب وقد اجتمعت عساكر الروم بأنطاكية فأقام بفامية وسير إلى ما حول أنطاكية من القرى فأخربها. ثم رحل عنها لكثرة الحر والذباب إلى جبلة فأخذها وما حولها فنال منها شيئا كثيرا. وسار إلى حلب فحاصرها نحوا من شهرين فعزم الروم على نجدة ابن حمدان بحلب وقد أتتهم أمدادهم وجموع كثيرة وساروا يريدون حلب فبرز إليهم منجوتكين وواقعهم فهزمهم وقتل منهم نحو خمسة آلاف ومضى من بقي منهم إلى إنطاكية وذلك في شعبان. فلما انقضى أمر الوقعة عاد منجوتكين فنزل على حلب وضايق أهلها بالحصار والقتال: حتى وفي جمادى الأولى وصل غزاة البحر إلى القاهرة بمائة أسير فزينت القاهرة ومصر أعظم زينة وركب العزيز وابنه منصور وشقا الشوارع ثم ركب في عشاري ومعه العشاريات سائرة إلى المقس ثم ركب من المقس إلى القصر فكان يوما عظيما لم ير بمصر مثله وقال فيه الشعراء. وفي جمادى الآخرة سار عيسى بن جعفر أمير مكة بالجوائز والخلع ومعه القاسم الثائر. واشتدت المطالبة على ابن الفرات وأحيل عليه بمال فأعنته المحتالون عليه ولحقه منهم مكروه وألقوه عن فرسه فكسرت إصبعه وامتدت أيديهم إليه فالتجأ إلى دار القائد أبي عبد الله الحسين بن البازيار فأصلح قضيته. وجهزت هدية إلى ابن زيري بالمغرب وهي: فيل. ومائة فرس مسرجة ملجمة. وبغال ونوق وبخاتى. وثلاثون قبة مثقلة. وأحمال محزومة فيها بز وكسوة من عمل تنيس ودمياط وغيره. وعشر خلع مذهبة بمناديلها. وعشرة أفراس من خاص العزيز بمراكب ذهب. وركب العزيز بابنه لفتح الخليج وأمر ألا تباع دار بما فوق مائتي دينار إلا بعد عرضها على من يلي ديوان الأملاك. وورد سبكتكين من صقلية فخلع عليه ووردت هدية متولي صقلية وهي: خيل وجمال وصناديق مال. وصلى العزيز بالناس الجمعة بعد ما خطب بجامع القاهرة وبجامعه ومعه ابنه في أيام الجمع من شهر رمضان وعمل في آخره سماطاً للعيد وصلى العزيز بالناس صلاة عيد الفطر وخطب على الرسم. وتسلم عيسى بن نسطورس سائر الدواوين ونظر في جميعها وأمر ونهى وخاطب سائر الكتاب عن العزيز وخاطبه سائر الأولياء وكافة الناس في مهماتهم وتوقيعاتهم. وقدم يحيى بن النعمان من تنيس ودمياط والفرما بأسفاط وتخوت وصناديق مال وخيل وبغال وحمير وثلاث مظلات وكسوتين للكعبة. ولاثنتي عشرة خلت من ذي القعدة عرض العزيز العساكر بظاهر القاهرة فنصب له مضرب ديباج رومي فيه ألف ثوب بصفرية فضة وفازة مثقل وقبة مثقل بالجوهر وضرب لابنه منصور مضرب آخر وعرضت العساكر فكانت مائة عسكر وأحضرت أسارى الروم وهم مائتان وخمسون منهم ثماني بطارقة وثمانية عشر من أصحاب ابن حمدان: وطيف بهم وخلع على الحمدانية فكان يوما عظيما. وسارت قافلة الحاج لأربع عشرة بقيت منه بالكسوة والصلات. وصلى العزيز صلاة عيد النحر وخطب بالمصلى على رسمه ونحر وفرق الضحايا. وجرى الرسم في عيد الغدير على العادة. ذ
|